الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
مناسبته للشركة باعتبار أن المقصود بكل منهما الانتفاع بما يزيد على أصل المال وله معنى لغوي وشرعي وسبب ومحل وشرائط وركن وأحكام ومحاسن وصفة فمعناه في اللغة الحبس قال في القاموس وقف الدار حبسه كأوقفه وهذه لغة رديئة. ا هـ. وأما معناه شرعا فما أفاده. (قوله: حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة) يعني عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعندهما هو حبس العين على حكم ملك الله تعالى وزاد في فتح القدير على كلام المصنف أو صرف منفعتها على من أحب قال لأن الوقف يصح لمن يحب من الأغنياء بلا قصد القربة وهو وإن كان لا بد في آخره من القربة كشرط التأبيد وهو بذلك كالفقراء ومصالح المسجد لكنه يكون وقفا قبل انقراض الأغنياء بلا تصدق ا هـ. وقد يقال إن الوقف على الغني تصدق بالمنفعة لأن الصدقة كما تكون على الفقراء تكون على الأغنياء وإن كان التصدق على الغني مجازا عن الهبة عند بعضهم وصرح في الذخيرة بأن في التصدق على الغني نوع قربة دون قربة الفقير وعرفه شمس الأئمة السرخسي بأنه حبس المملوك عن التمليك من الغير وسببه إرادة محبوب النفس في الدنيا ببر الأحباب وفي الآخرة بالتقرب إلى رب الأرباب جل وعز ومحله المال المتقوم وشرائطه أهلية الواقف للتبرع من كونه حرا عاقلا بالغا وأن يكون منجزا غير معلق فإنه مما لا يصلح تعليقه بالشرط فلو قال إن قدم ولدي فداري صدقة موقوفة على المساكين فجاء ولده لا تصير وقفا وذكر في جامع الفصولين الوقف فيما لا يصح تعليقه بالشرط في رواية فأشار أن فيه روايتين وجزم بصحة إضافته وفي البزازية وتعليق الوقف بالشرط باطل. وفي الخانية ولو قال إذا جاء غد فأرضي صدقة موقوفة أو قال إذا ملكت هذه الأرض فهي صدقة موقوفة لا يجوز لأنه تعليق والوقف لا يحتمل التعليق بالخطر لأنه لا يحلف به فلا يصح تعليقه كما لا يصح تعليق الهبة بخلاف النذر لأنه يحلف به ويحتمل التعليق ا هـ. فإذا جاء غد تعليق ووقفته غدا إضافة وقد بينا الفرق بينهما في شرحنا على المنار وفي لب الأصول ولو قال وقفته إن شئت ثم قال شئت كان باطلا للتعليق أما لو قال شئت وجعلتها صدقة صح هذا الكلام المتصل بخلاف ما لو قال إن كانت هذه الدار في ملكي فهي صدقة موقوفة فظهر أنها كانت في ملكه وقت التكلم فإنها تصير وقفا لأنه تعليق على أمر كائن وهو تنجيز كذا في فتح القدير وسيأتي تعليقه بالموت. الخامس من شرائطه الملك وقت الوقف حتى لو غصب أرضا فوقفها ثم اشتراها من مالكها ودفع الثمن إليه أو صالح على مال دفعه إليه لا تكون وقفا لأنه إنما ملكها بعد أن وقفها هذا على أنه هو الواقف أما لو وقف ضيعة غيره على جهات فبلغ الغير فأجازه جاز بشرط الحكم والتسليم أو عدمه على الخلاف الذي سنذكره وهذا هو المراد بجواز وقف الفضولي فلو استحق الوقف بطل وكذا لو جاء شفيعها بعد وقف المشتري وكذا لو وقف المريض المديون الذي أحاط الدين بماله فإنه يباع وينقض الوقف ولو وقف المبيع فاسدا بعد القبض صح وعليه القيمة للبائع وكذا لو اتخذها مسجدا وكذا لو جعلها مسجدا وجاء شفيعها نقض المسجدية ولو وقفها المشتري قبل القبض إن نقد الثمن جاز الوقف وإلا فهو موقوف ولو اشترى أرضا فوقفها ثم جاء مستحق فاستحقها وأجاز البيع بطل الوقف في قول محمد ولو ضمن المستحق البائع جاز الوقف في قول محمد الكل في الخانية ولو وهبت له أرض هبة فاسدة فقبضها ثم وقفها صح وعليه قيمتها. ولو اشترى أرضا فوقفها ثم اطلع على عيب رجع بالنقصان ولا يلزمه أن يشتري به بدلا لعدم دخول نقصان العيب في الوقف كذا في الإسعاف وفي الذخيرة لو اشترى على أن البائع بالخيار فيها فوقفها ثم أجاز البائع البيع لم يجز الوقف. ا هـ. ويتفرع على اشتراط الملك أنه لا يجوز وقف الإقطاعات إلا إذا كان الأرض مواتا فأقطعها الإمام رجلا أو كانت ملكا للإمام فأقطعها رجلا وأنه لا يجوز وقف أرض الحوز للإمام لأنه ليس بمالك لها زاد في التتارخانية ولا لمالكها قال وتفسير أرض الحوز أرض عجز صاحبها عن زراعتها وأداء خراجها فدفعها إلى الإمام لتكون منافعها جبرا للخراج. ا هـ. وتمامه في الخصاف وذكر أيضا أن الموهوب له لا يصح وقفه قبل القبض ولو قبض بعد هو الموصى له كذلك قبل الموت السادس عدم الجهالة فلو وقف من أرضه شيئا ولم يسمه كان باطلا لأن الشيء يتناول القليل والكثير ولو بين بعد ذلك ربما يبين شيئا قليلا لا يوقف عادة فلو وقف جميع حصته من هذه الدار والأرض ولم يسم السهام جاز استحسانا كذا في الإسعاف ولو وقف هذه الأرض أو هذه الأرض وبين وجه الصرف كان باطلا لمكان الجهالة. ولو قال جعلت نصيبي من هذه الدار وقفا وهو ثلث جميع الدار فإذا هي النصف كان الكل وقفا وتمامه في الخانية السابع عدم الحجر على الواقف لسفه أو دين كذا أطلقه الخصاف وينبغي أنه إذا وقفها في الحجر للسفه على نفسه ثم لجهة لا تنقطع أن يصح على قول أبي يوسف وهو الصحيح عند المحققين وعند الكل إذا حكم به حاكم كذا في فتح القدير وهو مدفوع بأن الوقف تبرع وهو ليس من أهله الثامن أن لا يذكر مع الوقف اشتراط بيعه فلو وقف بشرط أن يبيعها ويصرف ثمنها إلى حاجته لا يصح الوقف في المختار كذا في البزازية وهو قول هلال والخصاف وجوزه يوسف بن خالد السمتي إلحاقا للوقف بالعتق. وأما اشتراط الاستبدال فلا يبطله كما سيأتي في محله التاسع أن لا يلحق به خيار شرط فلو وقف على أنه بالخيار لم يصح عند محمد معلوما كان الوقت أو مجهولا واختاره هلال وقال أبو يوسف إن كان الوقت معلوما جاز الوقف والشرط كالبيع وإلا بطل الوقف وصححه السمتي مطلقا وأبطل الشرط وظاهر ما في الخانية أنه لو جعل داره مسجدا على أنه بالخيار صح الوقف وبطل الشرط بلا خلاف وقال الفقيه أبو جعفر ينبغي على قول أبي يوسف فيما إذا كان الوقت مجهولا أن يصح الوقف ويبطل الشرط العاشر أن لا يكون مؤقتا قال الخصاف لو وقف داره يوما أو شهرا لا يجوز لأنه لم يجعله مؤبدا وكذا لو قال على فلان منه كان باطلا وفصل هلال بين أن يشترط رجوعها إليه بعد الوقت فيبطل الوقف أو لا فلا وظاهر ما في الخانية اعتماده الحادي عشر أن يكون للواقف ملة فلا يصح وقف المرتد إن قتل أو مات على ردته وإن أسلم صح ويبطل وقف المسلم إن ارتد ويصير ميراثا سواء قتل على ردته أو مات أو عاد إلى الإسلام إلا إن أعاد الوقف بعد عوده إلى الإسلام كما أوضحه الخصاف آخر الكتاب ويصح وقف المرتدة لأنها لا تقتل وأما الإسلام فليس من شرطه فصح وقف الذمي بشرط كونه قربة عندنا وعندهم كما لو وقف على أولاده أو على الفقراء أو على فقراء أهل الذمة فإن عمم جاز الصرف إلى كل فقير مسلم أو كافر وإن خصص فقراء أهل الذمة اعتبر شرطه كما نص عليه الخصاف كالمعتزلي إذا خص أهل الاعتزال ولو شرط أن من أسلم من ولده أخرج اعتبر شرطه أيضا كشرط المعتزلي أن من صار سنيا أخرج وليس هذا من قبيل اشتراط المعصية لأن التصدق على الكافر غير الحربي قربة ولو وقف على بيعة فإذا خربت كان للفقراء لم يصح وكان ميراثا لأنه ليس بقربة عندنا كالوقف على الحج أو العمرة لأنه ليس بقربة عندهم بخلاف ما لو وقف على مسجد بيت المقدس فإنه صحيح لأنه قربة عندنا وعندهم. وفي القنية وقف المجوسي ضيعة على فقراء المجوس لا يجوز ثم رقم بعده بحرف الطاء مجوسي وقف أرضه على أولاده وأولاد ما تناسلوا ومن بعده على فقراء اليهود أو المجوس يجوز قال رضي الله عنه فينبغي أن يجوز على فقراء المجوس ابتداء ا هـ. وفي الحاوي وقف المجوسي على بيت النار واليهودي والنصراني على البيعة والكنيسة باطل إذا كان في عهد الإسلام وما كان منها في أيام الجاهلية مختلف فيه والأصح أنه إذا دخل في عهد عقد الذمة لا يتعرض ا هـ. ثم اعلم أنه لا يشترط لصحته عدم تعلق حق الغير به فلو وقف ما في إجارة الغير صح ولا تبطل الإجارة فإذا انقضت أو مات أحدهما صرفت إلى جهات الوقف وأما وقف المرهون فإن افتكه أو مات عن وفاء عاد إلى الجهة وإن مات عن غير وفاء بيع وبطل الوقف كذا في فتح القدير وسكت عن حكمه حال الحياة لو كان معسرا وفي الإسعاف لو وقف المرهون بعد تسليمه صح وأجبره القاضي على دفع ما عليه إن كان موسرا فإن كان معسرا أبطل الوقف وباعه فيما عليه. ا هـ. وهكذا في الذخيرة والمحيط وأما شرطه الخاص لخروجه عن الملك عند الإمام فالإضافة إلى ما بعد الموت وهو الوصية به أو يلحقه حكم به وعند أبي يوسف لا يشترط سوى كون المحل قابلا له من كونه عقارا أو دارا وعند محمد ذلك مع كونه مؤبدا مقسوما غير مشاح فيما يحتمل القسمة ومسلما إلى متول وسيأتي أن أكثرهم أفتى بقول محمد وإن بعضهم أفتى بقول أبي يوسف وما أفتى أحد بقول الإمام. وأما ركنه فالألفاظ الخاصة الدالة عليه وهي ستة وعشرون لفظا الأول أرضي هذه صدقة موقوفة مؤبدة على المساكين ولا خلاف فيه الثاني صدقة موقوفة فهلال وأبو يوسف وغيرهما على صحته لأنه لما ذكر صدقة عرف مصرفه وانتفى بقوله موقوفة احتمال كونه نذرا الثالث حبس صدقة الرابع صدقة محرمة وهما كالثاني الخامس موقوفة فقط لا يصح إلا عند أبي يوسف فإنه يجعلها بمجرد هذا اللفظ موقوفة على الفقراء وإذا كان مفيدا لخصوص المصرف أعني الفقراء لزم كونه مؤبدا لأن جهة الفقراء لا تنقطع قال الصدر الشهيد ومشايخ بلخ يفتون بقول أبي يوسف ونحن نفتي بقوله أيضا لمكان العرف وبهذا يندفع رد هلال قول أبي يوسف بأن الوقف يكون على الغني والفقير ولم يبين فيبطل لأن العرف إذا كان يصرفه إلى الفقراء كان كالتنصيص عليهم. السادس موقوفة على الفقراء صح عند هلال أيضا لزوال الاحتمال بالتنصيص على الفقراء السابع محبوسة الثامن حبس وهما باطلان ولو كان في حبس مثل هذا العرف يجب أن يكون كقوله موقوفة التاسع لو قال هي للسبيل إن تعارفوه وقفا مؤبدا للفقراء كان كذلك وإلا سئل فإن قال أردت الوقف صار وقفا لأنه محتمل لفظه أو قال أردت معنى صدقة فهو نذر فيتصدق بها أو بثمنها وإن لم ينو كانت ميراثا ذكره في النوازل العاشر جعلتها للفقراء إن تعارفوه وقفا عمل به وإلا سئل فإن أراد الوقف فهي وقف أو الصدقة فهي نذر وهذا عند عدم النية لأنه أدنى فإثباته به عند الاحتمال أولى واعترضه في فتاوى الخاصي بأنه لا فرق بينهما وذكر في إحداهما إذا لم تكن نية يكون ميراثا ولا يخفى أن كونه ميراثا لا ينافي كونه نذرا لأن المنذور به إذا مات الناذر ولم يوف بنذره يكون ميراثا إلا أنه اقتصر على تمام التفصيل في إحداهما وإلا فلا شك أن في كل منهما إذا لم تكن له نية يكون نذرا فإن مات ولم يتصدق به ولا يقيمه يكون ميراثا الحادي عشر محرمة الثاني عشر وقف وهو صحيح وهي معروفة عند أهل الحجاز الثالث عشر حبس موقوفة وهو كالاقتصار على " موقوفة " الرابع عشر جعلت نزل كرمي وقفا صار وقفا فيه ثمرة أو لا الخامس عشر جعلت غلته وقفا كذلك الخامس عشر موقوفة لله بمنزلة صدقة موقوفة الكل في فتح القدير وجزم به في البزازية بصحة الوقف بقوله وقف أو موقوفة السادس عشر صدقة فقط كانت صدقة فإن لم يتصدق حتى مات كانت ميراثا كذا في الخصاف. السابع عشر هذه موقوفة على وجه الخير أو على وجه البر تكون وقفا على الفقراء الثامن عشر صدقة موقوفة في الحج عني والعمرة عني يصح الوقف ولو لم يقل عني لا يصح الوقف التاسع عشر صدقة لا تباع تكون نذرا بالصدقة لا وقفا ولو زاد ولا توهب ولا تورث صارت وقفا على المساكين والثلاثة في الإسعاف العشرون اشتروا من غلة داري هذه كل شهر بعشرة دراهم خبزا وفرقوه على المساكين صارت الدار وقفا الحادي والعشرون هذه بعد وفاتي صدقة يتصدق بعينها أو تباع ويتصدق بثمنها ذكرهما في الذخيرة الثاني والعشرون أوصى أن يوقف ثلث ماله جاز عند أبي يوسف ويكون للفقراء وعندهما لا يجوز إلا أن يقول لله أبدا كذا في التتارخانية. الثالث والعشرون قال هذا الدكان موقوف بعد موتي ومسبل ولم يعين مصرفا لا يصح الرابع والعشرون داري هذه مسبلة إلى المسجد بعد موتي يصح إن خرجت من الثلث وعين المسجد وإلا فلا. الخامس والعشرون سبلت هذه الدار في وجه إمام مسجد كذا عن جهة صلواتي وصياماتي تصير وقفا وإن لم تقع عنهما والثلاثة في القنية السادس والعشرون جعلت حجرتي لدهن سراج المسجد ولم يزد عليه صارت الحجرة وقفا على المسجد كما قال وليس للمتولي أن يصرف إلى غير الدهن كذا في المحيط. السابع والعشرون ذكر قاضي خان من كتاب الوصايا رجل قال ثلث مالي وقف ولم يزد على ذلك قال أبو نصر إن كان ماله نقدا فهذا القول باطل بمنزلة قوله هذه الدراهم وقف وإن كان ماله ضياعا تصير وقفا على الفقراء ا هـ. وأما حكمه فما ذكره في تعريفه من أنه حبس العين عن التمليك والتصدق بالمنفعة وسيأتي بقية أحكامه ومحاسنه ظاهرة وهي الانتفاع بالدار، الباقي على طبقات المحبوبين من الذرية والمحتاجين من الأحياء والأموات لما فيه من إدامة العمل الصالح كما في الحديث المعروف: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» وفي فتاوى قاضي خان رجل جاء إلى فقيه وقال إني أريد أن أصرف مالي إلى خير عتق العبيد أفضل أم اتخاذ الرباط للعامة قال بعضهم الرباط أفضل وقال الفقيه أبو الليث إن جعل للرباط مستغلا يصرف إلى عمارة الرباط فالرباط أفضل وإن لم يجعل إلا رباطا فالإعتاق أفضل ولو تصدق بهذا المال على المحتاجين فذاك أفضل من الإعتاق. ا هـ. وفي البزازية وقف الضيعة أولى من بيعها والتصدق بثمنها ا هـ. وصفته أن يكون مباحا وقربة وفرضا فالأول بلا قصد القربة ولذا يصح من الذمي ولا ثواب له والثاني مع قصدها من المسلم والثالث المنذور كما لو قال إن قدم ولدي فعلي أن أقف هذه الدار على ابن السبيل فقدم فهو نذر يجب الوفاء به فإن وقفه على ولده وغيره ممن لا يجوز دفع زكاته إليهم جاز في الحكم ونذره باق وإن وقف على غيرهم سقط وإنما صح النذر به لأن من جنسه واجبا فإنه يجب أن يتخذ الإمام للمسلمين وقفا مسجدا من بيت المال أو من مالهم إن لم يكن لهم بيت مال كما في فتح القدير. قوله (والملك يزول بالقضاء لا إلى مالك) أي ملك العين الموقوفة يزول عن ملك المالك بقضاء القاضي بلزوم الوقف من غير أن ينتقل إلى ملك أحد وهذا أعني اللزوم بالقضاء متفق عليه لأنه قضاء في محل الاجتهاد فينفذ وفي الخانية وطريق القضاء أن يسلم الواقف ما وقفه للمتولي ثم يريد أن يرجع عنه فينازعه بعلة عدم اللزوم ويختصمان إلى القاضي يقضي القاضي بلزومه ا هـ. وإنما يحتاج إلى الدعوى عند البعض والصحيح أن الشهادة بالوقف بدون الدعوى مقبولة ولذا قالوا لو باع ثم ادعى الوقفية لا تسمع دعواه للتناقض ولا يحلف فإن برهن تقبل قال في البزازية لا لصحة الدعوى بل لأن البرهان يقبل عليه بلا دعوى كالشهادة على عتق الأمة في المختار ولا تسمع الدعوى من غير المتولي وعليه الفتوى. ا هـ. ولذا قال في المحيط ولو قضى بالوقفية بالشهادة القائمة على الوقف من غير دعوى يصح لأن حكمه هو التصدق بالغلة وهو حق الله تعالى وفي حقوق الله تعالى يصح القضاء بالشهادة من غير دعوى. ا هـ. وقيد بالقضاء لأنهما لو حكما رجلا ليحكم بينهما بلزوم الوقف اختلفوا فيه والصحيح أن بحكم المحكم لا يرتفع الخلاف وللقاضي أن يبطله كذا في الخانية وهل القضاء به قضاء على الناس كافة كالحرية أو لا قال قاضي خان أرض في يد رجل ادعى رجل أنها وقف وبين شرائط الوقف وقضى القاضي بالوقف ثم جاء آخر وادعى أنه ملك قالوا تقبل بينة المدعي لأن القضاء بالوقف بمنزلة استحقاق الملك وليس بتحرير ألا ترى أنه لو جمع بين وقف وملك وباعهما صفقة واحدة جاز بيع الملك ولو جمع بين حر وعبد وباعهما صفقة واحدة لا يجوز بيع العبد دل أن القضاء بالوقف بمنزلة القضاء بالملك وفي الملك القضاء يقتصر على المقضي عليه وعلى من يلتقي الملك منه ولا يتعدى إلى الغير فكذلك في الوقف. ا هـ. ذكره في باب ما يبطل دعوى المدعي وعزاه في الخلاصة إلى الفتاوى الصغرى ثم قال بخلاف العبد إذا ادعى العتق على إنسان وقضى القاضي بالعتق ثم ادعى رجل أن هذا العبد ملكه لا تسمع لأن القضاء بالعتق قضاء على جميع الناس بخلاف الوقف قال الصدر الشهيد لم نر لهذا رواية لكن سمعت أن فتوى السيد الإمام أبي شجاع على هذا وفي فوائد شمس الأئمة الحلواني وركن الإسلام علي السعدي أن الوقف كالعتق في عدم سماع الدعوى بعد قضاء القاضي بالوقفية لأن الوقف بعدما صح بشرائطه لا يبطل إلا في مواضع مخصوصة وهكذا في النوازل. ا هـ. وذكر القولين في جامع الفصولين وهل يقدم الخارج على ذي اليد ولا ترجيح للوقف على الملك أو لا قال في جامع الفصولين ومتول ذو يد لو برهن على الوقف فبرهن الخارج على الملك يحكم بالملك للخارج فلو برهن المتولي بعده على الوقف لا تسمع لأن المتولي صار مقضيا عليه مع من يدعي تلقي الوقف من جهته وعند أبي يوسف تقبل بينة ذي اليد على الوقف ولا تقبل بينة الخارج على الملك كمن ادعى قنا وقال ذو اليد هو ملكي وحررته فإنه يقضي ببينة ذي اليد وفاقا بقولهما يفتى. ا هـ. فقد علمت أن المفتى به تقديم الخارج وفيه ادعى ملكا في دار بيد متول يقول وقفه زيد على مسجد كذا وحكم به للمدعي فلو ادعى متول آخر على هذا المدعي أنه وقف على مسجد كذا من جهة بكر تقبل إذ المقضي عليه هو زيد الواقف لا مطلق الواقف. ا هـ. والحاصل أن القضاء بالوقفية ليس قضاء على الكافة على المعتمد فتسمع الدعوى من غير المقضي عليه وأما القضاء بالحرية فقضاء على الكافة فلا تسمع الدعوى بعده بالملك لأحد ولا فرق بين الحرية الأصلية والعارضية بالإعتاق بأن شهدوا بإعتاقه وهو يملكه صرح به قاضي خان وأما القضاء بالملك فليس على الكافة بلا شبهة وفي الفتاوى الصغرى من فصل دعوى النكاح إذا قضى القاضي لإنسان بنكاح امرأة أو بنسب أو بولاء عتاقة ثم ادعاه الآخر لا تسمع. ا هـ. فعلى هذا القضاء الذي يكن على الكافة في أربعة أشياء وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى في الدعوى وفي القنية دار في يد رجل أقام رجل بينة أنها وقفت عليه وأقام قيم المسجد بينة أنها وقف على المسجد فإن أرخا فهي للسابق منهما وإن لم يؤرخا فهي بينهما نصفان. ا هـ. وقد ذكر المصنف رحمه الله للزومه طريقا واحدة وهي القضاء فظاهره أنه لا يلزم لو علقه بموته قال في الهداية قال في الكتاب لا يزول ملك الواقف عن الوقف حتى يحكم به الحاكم أو يعلقه بموته وهذا في حكم الحاكم صحيح لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه أما في تعليقه بالموت فالصحيح أنه لا يزول ملكه إلا أنه تصدق بمنافعه مؤبدا فيصير بمنزلة الوصية بالمنافع مؤبدا فيلزمه ا هـ. والحاصل أنه إذا علقه بموته كما إذا قال إذا مت فقد وقفت داري على كذا فالصحيح أنه وصية لازمة لكن لم تخرج عن ملكه فلا يتصور التصرف فيه ببيع ونحوه بعد موته لما يلزم من إبطال الوصية وله أن يرجع قبل موته كسائر الوصايا وإنما يلزم بعد موته وإنما لم يكن وقفا لما قدمنا من أنه لا يقبل التعليق بالشرط وكذا إذا قال إذا مت من مرضي هذا فقد وقفت أرضي على كذا فمات لم تصر وقفا وله أن يبيعها قبل الموت بخلاف ما إذا قال إذا مت فاجعلوها وقفا فإنه يجوز لأنه تعليق التوكيل لا تعليق الوقف نفسه وهذا لأن الوقف بمنزلة تمليك الهبة من الموقوف عليه والتمليك غير الوصية لا تتعلق بالخطر ونص محمد في السير الكبير أن الوقف إذا أضيف إلى ما بعد الموت يكون باطلا أيضا عند أبي حنيفة وعلى ما عرفت بأن صحته إذا أضيف إلى ما بعد الموت يكون باعتباره وصية وفي المحيط لو قال إن مت من مرضي هذا فقد وقفت أرضي هذه لا يصح الوقف برئ أو مات لأنه تعليق وفي الخانية لو قال أرضي بعد موتي موقوفة سنة جاز وتصير الأرض موقوفة أبدا لأنه في معنى الوصية بخلاف ما إذا لم يضف إلى ما بعد الموت بأن قال أرضي موقوفة سنة لأن ذاك ليس بوصية بل هو محض تعليق أو إضافة فالحاصل أن على قول هلال إذا شرط في الوقف شرطا يمنع التأبيد لا يصح الوقف ا هـ. وفي التبيين لو علق الوقف بموته ثم مات صح ولزم إذا خرج من الثلث لأن الوصية بالمعدوم جائزة كالوصية بالمنافع ويكون ملك الواقف باقيا فيه حكما يتصدق منه دائما وإن لم يخرج من الثلث يجوز بقدر الثلث ويبقى الباقي إلى أن يظهر له مال أو تجيز الورثة فإن لم يظهر له مال ولم تجز الورثة تقسم الغلة بينهما أثلاثا ثلثه للوقف وثلثاه للورثة. ا هـ. قال الإمام السرخسي إذا خاف الواقف إبطال وقفه فللتحرز عنه طريقان إحداهما القضاء والثاني أن يذكر الواقف بعد الوقف والتسليم فإن أبطله قاض بوجه من الوجوه فهذه الأرض بأصلها وجميع ما فيها وصية من فلان الواقف تباع ويتصدق بثمنها على الفقراء ومتى فعل ينبرم الوقف لأن أحدا من الورثة لا يسعى في إبطاله لأن سعيه حينئذ يعرى عن الفائدة للزوم التصدق بها أو بثمنها قال شمس الأئمة والذي جرى به الرسم في زماننا أنهم يكتبون إقرارا لواقف أن قاضيا من قضاة المسلمين قضى بلزوم هذا الوقف فذاك ليس بشيء ولا يحصل به المقصود لأن إقراره لا يصير حجة على القاضي الذي يريد إبطاله ولو لم يكن القاضي قضى بلزوم الوقف فإقراره يكون كذبا محضا ولا رخصة في الكذب وبه لا يتم المقصود ومن المتأخرين من مشايخنا من قال إذا كتب في آخر الصك وقد قضى بصحة هذا الوقف ولزومه قاض من قضاة المسلمين ولم يسم القاضي يجوز. وتمسك هذا القائل بقول محمد في الكتاب إذا خاف الواقف أن يبطله القاضي فإنه يكتب في صك الوقف إن حاكما من حكام المسلمين قضى بلزوم هذا الوقف ولم يذكر الكاتب اسم القاضي ونسبه ومتى علم بتاريخ الوقف يصير القاضي في ذلك الزمان معلوما كذا في الظهيرية وقد وسع في ذلك قاضي خان أيضا وقيد زوال الملك بالقضاء ليفيد عدمه قبله وهو قول الإمام لكن قيل لا يجوز الوقف عنده أصلا كما صرح به في الأصل لأن المنفعة معدومة والتصدق بالمعدوم لا يصح والأصح أنه جائز عنده إلا أنه غير لازم بمنزلة العارية كذا في الهداية وغيرها. وفي فتح القدير وإذا لم يزل عند أبي حنيفة قبل الحكم يكون موجب القول المذكور حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة ولفظ حبس إلى آخره لا معنى له لأن له بيعه متى شاء وملكه مستمر فيه كما لو لم يتصدق بالمنفعة فلم يحدث الواقف إلا مشيئة التصدق بمنفعته وله أن يترك ذلك متى شاء وهذا القدر كان ثابتا قبل الوقف بلا ذكر لفظ الوقف فلم يفد الوقف شيئا وهذا معنى ما ذكر في المبسوط من قوله كان أبو حنيفة لا يجيز الوقف وحينئذ فقول من أخذ بظاهر هذا اللفظ فقال الوقف عند أبي حنيفة لا يجوز صحيح لأنه ظهر أنه لم يثبت به قبل الحكم حكم لم يكن وإذا لم يكن له أثر زائد على ما كان قبله كان كالمعدوم والجواز والنفاذ والصحة فرع اعتبار الوجود ومعلوم أن قوله لا يجوز ولا يجيز ليس المراد التلفظ بلفظ الوقف بل لا يجيز الأحكام التي ذكر غيره أنها أحكام ذكر الوقف فلا خلاف إذا فأبو حنيفة قال لا يجوز الوقف أي لا تثبت الأحكام التي ذكرت له إلا أن يحكم به حاكم وقوله بمنزلة العارية لأنه ليس له حقيقة العارية لأنه إن لم يسلمه إلى غيره فظاهر وإن أخرجه إلى غيره فذلك الغير ليس هو المستوفي لمنافعه ا هـ. وفيه نظر لأن قوله لم يفد الوقف شيئا غير صحيح لأنه يصح الحكم به ولولا صحة الوقف لم يصح الحكم به ويحل للفقير أن يأكل منه ولولا صحته لم يحل ويثاب الواقف عليه ولولا صحته ما أثيب فكيف يقال لم يفد شيئا وفي البزازية معنى الجواز جواز صرف الغلة إلى تلك الجهة ويتبع شرطه ويصح نصب المتولي عليه فإذا ثبتت هذه الأحكام كيف يقال لم يفد شيئا أو أنه لم يثبت به حكم لم يكن وقوله من أخذ بظاهر اللفظ إلى آخره ليس بصحيح لأن ظاهره عدم الصحة ولم يقل به أحد وإلا لزم أن لا يصح الحكم به ولذا رد شمس الأئمة على من ظن أنه غير جائز عنده أخذا من ظاهر المبسوط. قال وإنما المراد أنه غير لازم كما في الظهيرية والحاصل أنه لا خلاف في صحته وإنما الخلاف في لزومه فقال بعدمه وقالا به فلا يباع ولا يورث ولفظ الواقف ينتظمهما والترجيح بالدليل وقد أكثر الخصاف من الاستدلال لهما بوقوف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وقد كان أبو يوسف مع الإمام حتى حج مع الرشيد ورأى وقوف الصحابة رضي الله عنهم بالمدينة ونواحيها رجع وأفتى بلزومه ولقد استبعد محمد قول أبي حنيفة في الكتاب لهذا وسماه تحكما على الناس من غير حجة وقال ما أخذ الناس بقول أبي حنيفة وأصحابه إلا لتركهم التحكم على الناس ولو جاز تقليد أبي حنيفة في هذا لكان من مضى قبيل أبي حنيفة مثل الحسن البصري وإبراهيم النخعي أحرى أن يقلدوا ولم يحمد محمد على ما قاله بسبب أستاذه وقيل بسبب ذلك انقطع خاطره فلم يتمكن من تفريع مسائل الوقف كالخصاف وهلال ولو كان أبو حنيفة في الأحياء حين ما قال لزأم عليه فإنه كما قال مالك في أبي حنيفة رأيت رجلا لو قال هذه الأسطوانة من ذهب لدل عليه ولكن كل مجر بالخلا يسر كذا في الظهيرية. والحاصل أن المشايخ رجحوا قولهما وقال الفتوى عليه وفي فتح القدير أنه الحق ولا يبعد أن يكون إجماع الصحابة ومن مر بعدهم رضي الله عنهم متوارثا على خلاف قوله. وفي الهداية ولو وقف في مرض موته قال الطحاوي هو بمنزلة الوصية بعد الموت والصحيح أنه لا يلزم عند أبي حنيفة وعندهما يلزم إلا أنه يعتبر من الثلث والوقف في الصحة من جميع المال. ا هـ. وفي الظهيرية امرأة وقفت منزلا في مرضها على بناتها ثم من بعدهن على أولادهن وأولاد أولادهن أبدا ما تناسلوا فإذا انقرضوا فللفقراء ثم ماتت من مرضها وخلفت من الورثة بنتين وأختا لأب والأخت لا ترضى بما صنعت ولا مال لها سوى المنزل جاز الوقف في الثلث ولم يجز في الثلثين فيقسم الثلثان بين الورثة على قدر سهامهم ويوقف الثلث فما خرج من غلته قسم بين الورثة كلهم على قدر سهامهم ما عاشت البنتان فإذا ماتتا صرفت الغلة إلى أولادهما وأولاد أولادهما كما شرطت الواقفة لا حق للورثة في ذلك. رجل وقف دارا له في مرضه على ثلاث بنات له وليس له وارث غيرهن. قال الثلث من الدار وقف والثلثان مطلق له يصنعن بهما ما شئن قال الفقيه أبو الليث هذا إذا لم يجزن أما إذا أجزن صار الكل وقفا عليهن. ا هـ. والحاصل أن المريض إذا وقف على بعض ورثته ثم من بعدهم على أولادهم ثم على الفقراء. فإن أجاز الوارث الآخر كان الكل وقفا واتبع الشرط وإلا كان الثلثان ملكا بين الورثة والثلث وقفا مع أن الوصية للبعض لا تنفذ في شيء لأنه لم يتمحض للوارث لأنه بعده لغيره فاعتبر الغير بالنظر إلى الثلث واعتبر الوارث بالنظر إلى غلة الثلث الذي صار وقفا فلا يتبع الشرط ما دام الوارث حيا وإنما تقسم غلة هذا الثلث بين الورثة على فرائض الله تعالى فإذا انقرض الوارث الموقوف عليه اعتبر شرطه في غلة الثلث وإن وقف على غير الورثة ولم يجيزوا كان الثلث وقفا واعتبر شرطه فيه والثلثان ملك فلو باع الوارث الثلثين قبل ظهور مال آخر ثم ظهر لم يبطل البيع ويغرم القيمة فيشتري بذلك أرضا وتجعل وقفا على جهة الأول كذا في البزازية. وفيها قال أرضي هذه صدقة موقوفة على ابني فلان فإن مات فعلى ولدي وولد ولدي ونسلي ولم تجز الورثة فهي إرث بين كل الورثة ما دام الابن الموقوف عليه حيا فإن مات صار كلها للنسل. ا هـ. وهي عبارة غير صحيحة لما قدمنا عن الظهيرية أن الثلثين ملك والثلث وقف وأن غلة الثلث تقسم على الورثة ما دام الوارث الموقوف عليه حيا ويدل عليه أيضا ما ذكره في البزازية بعده وقف أرضه في مرضه على ولده وولد ولده ولا مال له سواه فثلثها وقف على ولد الولد بلا توقف على إجازة الورثة والثلثان للورثة إن لم يجيزوا وإن أجازوا كان بين الصلبي وولد الولد على السواء وقف أرضه في مرضه وهي تخرج من الثلث فتلف المال قبل موته وصار لا يخرج من الثلث أو تلف المال بعد موته قبل أن يصل إلى الورثة فثلثها وقف وثلثاها للورثة وقف أرضه في مرضه على بعض ورثته فإن أجازوا الورثة فهو كما قالوا في الوصية لبعض ورثته وإلا فإن كانت تخرج من الثلث صارت الأرض وقفا وإن لم تخرج فمقدار ما يخرج من الثلث يصير وقفا ثم تقسم جميع غلة الأرض ما جاز فيه الوقف وما لم يجز على فرائض الله تعالى ما دام الموقوف عليه أو أحدهم في الأحياء فإذا انقرضوا كلهم تصرف غلة الأرض إلى الفقراء إن لم يوص الواقف إلى واحد من الورثة ولو مات أحد منهم من الموقوف عليهم من الورثة وبقي الآخر فإن الميت في قسمة الغلة ما دام الموقوف عليهم أحياء يجعل كأنه حي فيقسم ثم يجعل سهمه ميراثا لورثته الذين لا حصة لهم من الوقف. ا هـ. ثم اعلم أنه لو وقفها في مرض موته ولا وارث له إلا زوجته ولم تجز ينبغي أن يكون لها من السدس والخمسة الأسداس تكون وقفا لما في البزازية من كتاب الوصايا مات ولم يدع إلا امرأة واحدة وأوصى بكل ماله لرجل إن أجازت فكل المال له وإلا فالسدس لها وخمسة الأسداس له لأن الموصى له يأخذ الثلث أولا بقي أربعة تأخذ الربع والثلاثة الباقية للموصى له فحصل له خمسة من ستة. ا هـ. ولا شك أن الوقف في مرض الموت وصية وفي المحيط وقف المريض على أربعة أوجه الأول أن يقف على الفقراء فإن خرج من الثلث جاز في الجميع وإلا فإن أجاز الورثة جاز في الكل وإلا جاز في الثلث الثاني لو وقف على وارث بعينه ولم يخرج من الثلث فإن لم يجيزوا جاز في الثلث وذكر هلال والخصاف تقسم جميع غلة الأرض بين الورثة على فرائض الله تعالى ولا يعطى للفقراء شيء ما دام الموقوف عليه حيا فإذا مات صرف للفقراء فإن كان يخرج من الثلث يكون الكل للفقراء وإلا فلهم بقدر ما يخرج من الثلث لأن هذا وقف على الفقراء بعد موت الوارث لا قبله فما دام الوارث حيا لا يكون وقفا على الفقراء فلا يكون لهم حق في تلك الغلة والوصية للوارث قد بطلت فيقسم الكل بينهم بالسوية وقال بعضهم يعطي حصة الوقف من الغلة للفقراء للحال ولا يكون للورثة منها شيء لأن الوقف حصل على الفقراء للحال لأن هذا الوقف وصية بالغلة للوارث فإذا لم يجز الباقون بطلت الوصية للوارث فبقي هذا وقفا على الفقراء. فأما إذا أجاز الورثة قيل تكون حصة الوقف للفقراء للحال وقيل مقدار الثلث للفقراء وما وراء الثلث للموقوف عليه ما دام حيا فإذا مات رجع إلى الورثة والثالث لو وقف على المحتاجين من ولده ونسله ثم على الفقراء فإن كان الأولاد والنسل كلهم أغنياء فالغلة للفقراء وإن كانوا كلهم فقراء أو كان في كل فريق بعضهم فقراء فإنه تقسم الغلة بينهم وبين فقراء الفريقين بالسوية فما أصاب الفقراء من أولاد الصلب قسم بين الأغنياء والفقراء على فرائض الله تعالى وما أصاب الفقراء من النسل قسم بينهم بالسوية دون الأغنياء منهم وإن كان أولاد الصلب كلهم أغنياء ونسله فقراء فالغلة كلها للنسل بينهم بالسوية. وإن كان ذلك على العكس أو بعض أولاد الصلب فقراء فالغلة كلها لأولاد الصلب تقسم بينهم على فرائض الله تعالى لأن ما أصاب النسل أصابوه على سبيل الوصية لأنهم لا يكونوا ورثة فيكون بينهم بالسوية وما أصاب الأولاد بطريق الإرث إذ «لا وصية للوارث» فيكون بينهم على قدر مواريثهم. والرابع لو أوصى بأن توقف أرضه بعد موته على فقراء المسلمين فإن خرجت من الثلث أو لم تخرج ولكن أجازت الورثة فإنها توقف كلها وإن لم يجيزوا فمقدار الثلث يوقف اعتبارا للبعض بالكل وإن خرجت كله من ثلثه وفيها نخل فأثمرت بعد الموت قبل وقف الأرض دخلت الثمرة في الوقف لأنها خرجت من أصل مشغول بحق الموقوف عليهم وإن أثمرت قبل الموت فتلك الثمرة تكون ميراثا. ا هـ. وتمامه في الإسعاف مع بيان حكم إقرار المريض بالوقف قوله (ولا يتم حتى يقبض ويفرز ويجعل آخره لجهة لا تنقطع) بيان لشرائطه الخاصة على قول محمد وقد مشى المؤلف أولا على قول أبي حنيفة من عدم لزومه إلا بالقضاء وثانيا في الشرائط على قول محمد وهو مما لا ينبغي لأن الفتوى على قولهما في لزومه بلا قضاء كما قدمنا وإذا لزم عندهما فإنه يلزم بمجرد القول عند أبي يوسف بمنزلة الإعتاق بجامع إسقاط الملك وعند محمد لا بد من التسليم إلى المتولي والإفراز والتأبيد أما الأول فلأن حق الله تعالى إنما يثبت فيه في ضمن التسليم إلى العبد لأن التمليك إلى الله تعالى وهو مالك الأشياء لا يتحقق مقصودا وقد يكون تبعا لغيره فيأخذ حكمه فينزل منزلة الزكاة والصدقة فلو قال هذه الشجرة للمسجد لا تكون له ما لم يسلمها إلى قيم المسجد عند محمد خلافا لأبي يوسف وفي الخلاصة ومشايخ بلخ يفتون بقول أبي يوسف. وقال الصدر الشهيد والفتوى على قول محمد وفي شرح المجمع أكثر فقهاء الأمصار أخذوا بقول محمد والفتوى عليه وفي فتح القدير وقول أبي يوسف أوجه عند المحققين وفي المنية الفتوى على قول أبي يوسف وهذا قول مشايخ بلخ وأما البخاريون فأخذوا بقول محمد وفي المبسوط كان القاضي أبو عاصم يقول قول أبي يوسف من حيث المعنى أقوى إلا أنه قال وقول محمد أقرب إلى موافقة الآثار يعني ما روي أن عمر رضي الله عنه جعل وقفه في يد حفصة وغير ذلك ورده في المبسوط بأنه لا يلزم كونه ليتم الوقف بل لشغله وخوف التقصير إلى آخره وفي البزازية والإمام الثاني في قوله الأول ضيق ثم وسع كل التوسع حتى قال يتم بقوله وقفت ومشايخ خوارزم أخذوا بقوله على ما حكاه نجم الزاهد في شرحه للمختصر ومحمد توسط وبقوله أخذ عامة المشايخ على ما حكاه في الفتاوى ا هـ. فالحاصل أن الترجيح قد اختلف والأخذ بقول أبي يوسف أحوط وأسهل ولذا قال في المحيط ومشايخنا أخذوا بقول أبي يوسف ترغيبا للناس في الوقف ويبتني على هذا الخلاف مسائل الأولى لو عزل الواقف القيم وأخرجه إلى غيره بلا شرط أن له ذلك قال محمد لا ينعزل والولاية للقيم. الثانية لو مات وله وصي فلا ولاية لوصيه والولاية للقيم الثالثة لو تولاه الواقف بنفسه لا يملك ذلك وقال أبو يوسف الولاية للواقف وله أن يعزل القيم في حياته ويولي غيره أو يرد النظر إلى نفسه وإذا مات الواقف بطل ولاية القيم عنده لأنه بمنزلة وكيله وأما إذا جعله قيما في حياته وبعد موته فإنه لا ينعزل بموته اتفاقا وكذا لو شرط الولاية في عزل القوام والاستبدال بهم لنفسه أو لأولاده وأخرجه من يده وسلمه إلى المتولي فإنه جائز اتفاقا نص عليه في السير الكبير لأن هذا شرط لا يخل بشرائط الواقف. وفي الخلاصة إذا شرط الواقف أن يكون هو المتولي فعند أبي يوسف الوقف والشرط كلاهما صحيحان وعند محمد وهلال الوقف والشرط باطلان. ا هـ. وسيأتي آخر الباب ما يتعلق بالمتولي نصبا وتصرفا وأما الثاني أعني اشتراط الإفراز فقد علمت أنه قول محمد فلا يجوز وقف المشاع وقال أبو يوسف هو جائز وهو مبني على الشرط الأول لأن القسمة من تمام القبض فمن شرطه لم يجوز وقف المشاع ومن لم يشترطه جوزه والخلاف فيما يحتمل القسمة أما ما لا يحتمل القسمة فهو جائز اتفاقا اعتبارا عند محمد بالهبة والصدقة المنفذة إلا في المسجد والمقبرة فإنه لا يتم الشيوع فيما لا يحتمل القسمة عند أبي يوسف أيضا لأن بقاء الشركة يمنع الخلوص لله تعالى ولأن المهايأة في هذا في غاية القبح بأن يقبر فيها الموتى سنة وتزرع سنة ويصلى لله فيه في وقت ويتخذ إصطبلا في وقت بخلاف الوقف لإمكان الاستغلال. والحاصل أن وقف المشاع مسجدا أو مقبرة غير جائز مطلقا اتفاقا وفي غيرهما إن كان مما لا يحتمل القسمة جاز اتفاقا. والخلاف فيما يحتملها ومن أخذ بقول أبي يوسف في خروجه بمجرد اللفظ وهم مشايخ بلخ أخذ بقوله في هذه ومن أخذ بقول محمد في القبض وهم مشايخ بخارى أخذ بقوله في وقف المشاع وصرح في الخلاصة من الإجارة والوقف بأن الفتوى على قول محمد في وقف المشاع وكذا في البزازية والولوالجية وشرح المجمع لابن الملك وفي التجنيس وبقوله يفتى وتبعه في غاية البيان وسيأتي بيان ما إذا قضى بجواره وفي الخلاصة وإذا وقف أحد الشريكين نصيبه المشاع على قول أبي يوسف ثم اقتسما فوقع نصيب الواقف في موضع لا يجب عليه أن يقفه ثانيا لأن القسمة تعين الموقوف وإذا أراد الاجتناب عن الخلاف يقف المقسوم ثانيا ولو كان الأرض له فوقف نصفها ثم أراد القسمة فالوجه في ذلك أن يبيع ما بقي ثم يقتسمان وإن لم يبع ورفع إلى القاضي ليأمر إنسانا بالقسمة معه جاز. كذا في الخلاصة أيضا وفيها حانوت بين اثنين وقف أحدهما نصيبه وأراد أن يضرب لوح الوقف على بابه فمنعه الشريك الآخر ليس له الضرب إلا إذا أمره القاضي بذلك وهذا قول أبي يوسف أما على قول محمد فلا يتأتى هذا. وفي الظهيرية ولو كانت له أرضون ودور بينه وبين آخر فوقف نصيبه ثم أراد أن يقاسم شريكه ويجمع الوقف كله في أرض واحدة ودار واحدة فإنه جائز في قياس قول أبي يوسف وهلال وإذا قاسم الواقف شريكه وبينهما دراهم فإن كان الواقف هو الذي أعطى الدراهم جاز لأنه في حصة الوقف قاسم شريكه واشترى أيضا ما لم يقف من نصيب شريكه فجاز ذلك كله ثم حصة الوقف للواقف وما اشتراه بالدراهم فذلك له وليس بوقف. ا هـ. ولو وقف جميع أرضه ثم استحق جزء منه بطل في الباقي عند محمد لأن الشيوع مقارن كما في الهبة بخلاف ما إذا رجع الواهب في البعض أو رجع الوارث في الثلثين بعد موت المريض وقد وهب أو وقف في مرضه وفي المال ضيق لأن الشيوع في ذلك طارئ ولو استحق جزء مميز بعينه لم يبطل في الباقي لعدم الشيوع ولهذا جاز في الابتداء. وعلى هذا الهبة والصدقة المملوكة كذا في الهداية ولو كانت الأرض بين رجلين فوقفاها على بعض الوجوه ودفعاها إلى وال يقوم عليها كان ذلك جائزا عند محمد لأن المانع من تمام الصدقة شيوع في المحل المتصدق به ولا شيوع هنا لأن الكل صدقة غاية الأمر أن ذلك مع كثرة المتصدقين والقبض من الوالي في الكل وجد جملة واحدة فهو كما لو تصدق بها رجل واحد بخلاف ما لو وقف كل منهما نصفها شائعا على حدة وجعل لها واليا على حدة لا يجوز لأنهما صدقتان ولو وقف كل منهما نصيبه وجعلا الوالي فسلماها إليه جميعا جاز لأن تمامها بالقبض والقبض يجتمع. كذا في فتح القدير والمشاع غير المقسوم من شاع يشيع شيعا وشيوعا ومشاعا كذا في القاموس وأما الثالث وهو أن يجعل آخره لجهة لا تنقطع فهو قولهما وقال أبو يوسف إذا سمى فيه جهة تنقطع جاز وصار بعدها للفقراء ولو لم يسمهم لهما أن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك وأنه يتأبد كالعتق وإذا كانت الجهة يتوهم انقطاعها لا يتوفر عليه مقتضاه ولهذا كان التوقيت مبطلا له كالتوقيت في البيع و لأبي يوسف أن المقصود هو التقرب إلى الله تعالى وهو موفر عليه لأن التقرب تارة يكون بالصرف إلى جهة تنقطع ومرة بالصرف إلى جهة تتأبد فصح في الوجهين وقيل التأبيد شرط بالإجماع إلا عند أبي يوسف لا يشترط ذكر التأبيد لأن لفظة الوقف والصدقة منبئة عنه لما بينا أنه إزالة الملك بدون التمليك كالعتق. ولهذا قال في الكتاب في بيان قوله وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم وهذا هو الصحيح وعند محمد ذكر التأبيد شرط لأن هذا صدقة بالمنفعة وبالغلة وذلك قد يكون موقتا فمطلقه لا ينصرف إلى التأبيد فلا بد من التنصيص كذا في الهداية. والحاصل أن عن أبي يوسف في التأبيد روايتين في رواية لا بد منه وذكره ليس بشرط وصححه وفي رواية ليس بشرط وتفرع على الروايتين ما لو وقف على إنسان بعينه أو عليه وعلى أولاده أو على قرابتهم وهم يحصون أو على أمهات أولاده فمات الموقوف عليه فعلى الأول يعود إلى ورثة الواقف قال الناطفي في الأجناس وعليه الفتوى. وعلى الثاني تصرف إلى الفقراء وهي رواية البرامكة كذا في فتح القدير وظاهر ما في المجتبى والخلاصة أن الروايتين عنه فيما إذا ذكر لفظ الصدقة أما إذا ذكر لفظ الوقف فقط فلا يجوز اتفاقا إذا كان الموقوف عليه معينا ثم قال متى ذكر موضع الحاجة على وجه يتأبد يكفيه عن ذكر الصدقة وكذا على أبناء السبيل أو الزمنى ويكون للفقراء منهم وفي الخلاصة والبزازية قال أبو حنيفة إذا وقف مالا لبناء القناطر أو لإصلاح الطريق أو لحفر القبور أو لاتخاذ السقايات أو لشراء الأكفان لفقراء المسلمين لا يجوز بخلاف الوقف للمساجد لجريان العادة بالثاني دون الأول وقف على فقراء مكة أو فقراء قرية معروفة إن كانوا لا يحصون يجوز في الحياة وبعد الممات لأنه مؤبد وإن كانوا لا يحصون يجوز بعد الموت لأنه وصية والوصية لقوم يحصون تجوز حتى إذا انقرضوا صار ميراثا منهم وإن كان في الحياة لا يجوز وقف أرضه على عمارة مصاحف موقوفة لا يصح لأنه لا عرف فيه وقف على أمهات أولاده وعبيده فالوقف باطل في قول هلال. وفي الفتاوى وقف على أمهات أولاده إلا من تزوج فلا شيء لها فإن طلقها زوجها لا يعود حقها الساقط إلا إذا كان الواقف استثنى وقال من طلقت فلها أيضا قسط من الوقف وذكر الخصاف قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله تعالى على الناس أو على بني آدم أو على أهل بغداد أبدا فإذا انقرضوا فعلى المساكين أو على العميان أو على الزمنى فالوقف باطل وذكر الخصاف في موضع آخر مسألة العميان والزمنى وقال الغلة للمساكين لا لهما ولو وقف على قراء القرآن والفقراء فالوقف باطل. وذكر هلال الوقف على الزمنى المنقطعين صحيح وقال المشايخ الوقف على معلم المسجد الذي يعلم الصبيان غير صحيح وقيل يصح لأن الفقر غالب فيهم قال شمس الأئمة فعلى هذا إذا وقف على طلبة علم بلدة كذا يجوز لأن الفقر غالب فيهم فكان الاسم منبئا عن الحاجة. والحاصل أنه متى ذكر مصرفا فيه نص على الفقراء والحاجة فالوقف صحيح يحصون أم لا وقوله يحصون إشارة إلى أن التأبيد ليس بشرط ومتى ذكر مصرفا يستوي فيه الغني والفقير إن كانوا يحصون صح بطريق التمليك وإن كانوا لا يحصون فهو باطل إلا أن يكون في لفظه ما يدل على الحاجة كاليتامى فحينئذ إن كانوا يحصون فالأغنياء والفقراء سواء وإن لا يحصون فالوقف صحيح ويصرف إلى فقرائهم لا إلى أغنيائهم وكذا لو وقف على الزمنى فهو على فقرائهم وفي الفتاوى لو وقف على الجهاد والغزو أو في أكفان الموتى أو حفر القبور يفتى بالجواز وهذا على خلاف ما تقدم ولو وقف على أبناء السبيل يجوز ويصرف إلى فقرائهم وقف على أصحاب الحديث لا يدخل فيه شفعوي المذهب إذا لم يكن في طلب الحديث ويدخل الحنفي إذا كان في طلبه. وذكر بكر أن الوقف على أقرباء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين يجوز وإن كان لا يجوز الصدقة عليهم وفي الفتاوى أنه لا يجوز ولا يصير وقفا لعدم جواز صرف الصدقة لبني هاشم لكن في جواز الوقف وصدقة النفل عليهم روايتان الوقف على الصوفية وصوفي خانه لا يجوز قال شمس الأئمة يجوز على الصوفية. ا هـ. وفي الإسعاف روي عن محمد أن ما لا يحصى عشرة وعن أبي يوسف مائة وهو المأخوذ عند البعض وقيل أربعون وقيل ثمانون والفتوى على أنه مفوض إلى رأي الحاكم ا هـ. وفي الظهيرية لو وقف على كل مؤذن وإمام في مسجد معين قال الشيخ إسماعيل الزاهد لا تجوز لأنها قربة وقعت لغير معين وقد يكونان غنيين أو فقيرين وإن كان المؤذن فقيرا لا يجوز أيضا والحيلة أن يقول على كل مؤذن فقير بهذا المسجد أو المحلة فإذا خرب كان على الفقراء ولو قال على كل مؤذن فقير لا يجوز للجهالة ولو وقفه على ولد عبد الله ونسله فلم يقبلوا كانت الغلة للفقراء ولو حدثت الغلة بعد ذلك فقبلوا كانت الغلة لهم فإن أخذوها سنة ثم قالوا لا نقبل فليس لهم ذلك. قال الفقيه أبو جعفر هذا الجواب يستقيم في حق الغلة المأخوذة لأنها صارت لهم فلا يملكون الرد أما التي تحدث فلهم الرد لأنه لا ملك لهم فيها إنما الثابت لهم مجرد الحق ومجرد الحق يقبل الرد وإن قال أقبل سنة ولا أقبل فيما سوى ذلك أو على العكس كان الأمر كما قال ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة على عبد الله فقال عبد الله لا أقبل فالوقف جائز والغلة للفقراء ولو قال صدقة على ولد عبد الله ونسله فأبى رجل من ولده أن يقبل فالغلة لمن قبل منهم ويجعل من لم يقبل بمنزلة الميت. هكذا ذكر هلال والخصاف ولو قال على زيد وعمر ما عاشا ومن بعدهم على المساكين فقال زيد قبلت وقال عمرو لا أقبل فلزيد نصف الغلة والنصف الآخر للمساكين وعلى قياس ما قدمنا ذكره ينبغي أن تكون كل الغلة لزيد ولكن الفرق بينهما أن نقول إن فيما تقدم أوجب الوقف باسم الولد واسم الولد ينتظم الواحد فصاعدا فحاز الفرد الواحد استحقاق الكل ولا كذلك ما نحن فيه لأن اسم زيد لا ينتظم المذكورين واسم المذكورين لا ينتظم زيدا فلا يكون لهذا استحقاق الكل وتمامه فيها. وفي المحيط لا يجوز الوقف على الأغنياء وحدهم ولو شرط بعدهم للفقراء جاز ولو وقف على معين ولم يذكر آخره للفقراء فهو على ستة الأول هذه صدقة لله أو موقوفة لله أو صدقة موقوفة لله تعالى صار وقفا على الفقراء ذكر الأبد أو لا الثاني موقوفة صدقة على وجوه البر أو الخير أو اليتامى جاز مؤبدا كالفقراء. والثالث موقوفة على فلان بعينه أو على ولدي أو فقراء قرابتي لا يصير وقفا عند محمد ويصح عند أبي يوسف والرابع صدقة موقوفة على فلان جاز عند الكل الخامس وقف على المساكين جاز بلا ذكر الأبد السادس على العمارة لمسجد بعينه ولم يذكر آخره للمساكين قيل عند محمد لا يجوز وعند أبي يوسف يجوز وقيل يجوز اتفاقا وهو المختار لمكان العرف ا هـ. (قوله: وصح وقف العقار ببقره وأكرته) أما العقار منفردا فلأن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وقفوه وأما جواز وقف المنقول تبعا للعقار فإطلاق قول الإمام أنه لا يجوز وقف المنقول يمنعه كوقفه قصدا وقال أبو يوسف إذا وقف ضيعة ببقرها وأكرتها وهم عبيده وكذلك في سائر آلات الحراثة لأنها تبع للأرض في تحصيل ما هو المقصود. وقد يثبت من الحكم تبعا ما لا يحصل مقصودا كالشرب في البيع والبناء في الوقف ومحمد معه فيه لأنه لما جاز إفراد بعض المنقول بالوقف عنده فلأن يجوز الوقف فيه تبعا أولى والعقار الأرض مبنية كانت أو غير مبنية. كذا في فتح القدير وفي القاموس العقار الضيعة كالعقرى بالضم ويدخل الشرب والطريق والمسيل والشجر والبناء في وقف الأرض بلا ذكر ولا يدخل الزرع والرياحين والخلاف والآس والثمر والبقل والطرفاء وما في الأجمة من حطب والورد والياسمين وورق الحناء والقطن والباذنجان. وأما الأصول التي تبقى والشجر الذي لا يقطع إلا بعد عامين أو أكثر فإنها تدخل تبعا والبقر والعبيد بلا ذكر ولا تدخل الأشجار العظام والأبنية فيما إذا جعل أرضه أو داره مقبرة وتكون له ولورثته من بعده ولد وقف أرضه بحقوقها وجميع ما فيها ومنها وعلى الشجرة ثمرة قائمة يوم الوقف. قال هلال في القياس تكون الثمرة له ولا تدخل في الوقف وفي الاستحسان يلزمه التصدق بها على الفقراء على وجه النذر لا على وجه الوقف ولو وقف دارا بجميع ما فيها وفيها حمامات يطرن أو بيتا وفيها كورات عسل يدخل الحمام والنحل تبعا للدار والعسل كذا في الإسعاف. والحاصل أن الوقف كالبيع لا يدخل فيهما الزرع والثمر إلا بالذكر وفي الإقرار بأرض في يده لرجل وفيها ثمرة قائمة كانت الثمرة للمقر له بالأرض إذا كانت متصلة بالأرض وفي الهبة قال هلال لا تدخل الثمرة في الهبة والهبة باطلة لمكان الشيوع. وقال أبو جعفر هذا الحكم في الهبة إنما عرف بقول هلال ليس فيها رواية ظاهرة عن أصحابنا وفي رهن الأرض يدخل الشجر والكرم والبناء والزرع والثمر في قول أصحابنا ويجوز الرهن كذا في الخانية وفيها لو وقفها بحقوقها فالثمرة التي تكون على الأشجار تدخل في الوقف وفي البيع لا تدخل ولو قال بكل قليل وكثير تدخل في البيع ا هـ. وفي الظهيرية وقصب السكر لا يدخل وشجر الورد والياسمين يدخل والرحى تدخل في وقف الضيعة ورحى الماء ورحى اليد في ذلك سواء وكذلك الدواليب تدخل والدوالي لا تدخل وفي وقف الحمام تدخل قدور الحمام وفي وقف الحانوت يدخل ما كان يدخل في بيعها وخوابي الدباسين وقدور الدباغين لا تدخل سواء كانت في البناء أو لم تكن ا هـ. وفي المحيط وقف أرضا فيها أشجار واستثنى الأشجار لا يجوز الوقف لأنه صار مستثنيا للأشجار بمواضعها فيصير الداخل تحت الوقف مجهولا. ا هـ. والأكرة بفتح الهمزة والكاف الحراثون من أكرت الأرض حرثتها واسم الفاعل أكار للمبالغة والجمع أكرة كأنه جمع آكر وزان كفرة جمع كافر كذا في المصباح وفي العناية الأكرة جمع أكار وهو الزراع كأنها جمع آكر تقديرا ولم يشترط المصنف لصحة وقف العقار تحديده وإنما الشرط كون الموقوف معلوما ولذا قال في الخلاصة ولو قالا أشهدنا على أرضه أنه وقفها وهو فيها ولم يذكر لنا حدودها جازت شهادتهما لأنهما شهدا على وقف أرض بعينها إلا أنهما لا يعرفان جيران الحدود فلم يتمكن الخلل في شهادتهما ولو شهدا على أن الواقف وقف أرضه وذكر حدودها ولكنا لا نعرف تلك الأرض في أنها في أي مكان جازت شهادتهما ويكلف المدعي إقامة البينة أن الأرض التي يدعيها هذه الأرض ولو شهدا أنه وقف أرضه ولم يحددها لنا ولكنا نعرف أرضه لا تقبل شهادتهما لعل للواقف أرضا أخرى وكذا لو قالا لا نعرف له أرضا أخرى لا تقبل شهادتهما لعل للواقف أرضا أخرى وهما لا يعلمان. ا هـ. وظاهر ما في فتح القدير اشتراط تحديدها فإنه قال إذا كانت الدار مشهورة معروفة صح وقفها وإن لم تحدد استغناء بشهرتها عن تحديدها. ا هـ. ولا يخفى ما فيه إنما ذلك الشرط لقبول الشهادة بوقفيتها كما قدمناه وفي القنية وقف ضيعة يذكر حدود المستثنيات من المقابر والطرقات والمساجد والحياض العامة ثم رقم أنه لا بد من ذكر الحدود إن أمكن ثم رقم بأنه لا يصح الوقف بدون التحديد ا هـ. وفي فتح القدير وقف عقارا على مسجد أو مدرسة هيأ مكانا لبنائها قبل أن يبنيها اختلف المتأخرون والصحيح الجواز وتصرف غلتها إلى الفقراء إلى أن تبنى فإذا بنيت ردت إليها الغلة أخذا من الوقف على أولاد فلان ولا أولاد له حكموا بصحته وتصرف غلته إلى الفقراء إلى أن يولد لفلان ا هـ. وقد أفاد المصنف أن العبيد يصح وقفهم تبعا للضيعة ولم يذكر أحكامهم في البقاء من التزويج والجناية وغيرهما وحكمهم على العموم حكم الأرقاء فليس له أن يزوج بنته بلا إذن وفي البزازية ولو زوج الحاكم جارية الوقف جاز وعبده لا يجوز ولو من أمة الوقف لأنه يلزمه المهر والنفقة ا هـ. وظاهره أن المتولي لا يملكه إلا بإذن القاضي ولا فرق بين القاضي والسلطان كما في الخلاصة وفي الإسعاف وإن جنى أحد منهم جناية فعلى المتولي ما هو الأصلح من الدفع أو الفداء ولو فداه بأكثر من أرش الجناية كان متطوعا في الزائد فيضمنه من ماله وإن فداه أهل الوقف كانوا متطوعين ويبقى العبد على ما كان عليه من العمل في الصدقة. ا هـ. وفي البزازية وجناية عبد الوقف في مال الوقف وأما حكم الجناية عليه ففي البزازية قتل عبد الوقف عمدا لا قصاص عليه. ا هـ. ولا يخفى أنه إذا لم يجب القصاص تجب قيمته كما لو قتل خطأ ويشتري به المتولي عبدا ويصير وقفا كما لو قتل المدبر خطأ وأخذ المولى قيمته فإنه يشتري بها عبدا ويصير مدبرا وقد صرح به في الذخيرة معزيا إلى الخصاف وأما نفقته فمن مال الوقف وإن لم يشترطه الواقف وفي الإسعاف لو شرط نفقتهم من غلتها ثم مرض بعضهم يستحق النفقة إن قال على أن يجري عليهم نفقاتهم من غلتها أبدا ما كانوا أحياء وإن قال لعملهم فيها لا يجري شيء من الغلة على من تعطل منهم عن العمل ولو باع العاجز واشترى بثمنه عبدا مكانه جاز. ا هـ. وقول المصنف أكرته دون عبيده فيه دليل على أن العبيد إنما يصح وقفهم تبعا لضيعة لأجل زراعتها وكذا قوله في الهداية لأنه تبع للأرض في تحصيل ما هو المقصود يدل على أنه لو وقف دارا فيها عبد وجعل العبد تبعا لها لا يصح لأنه لا يصلح للتبعية لأن المقصود من الدار سكناها وهو يحصل بدون العبد بخلاف زراعة الأرض لا يحصل إلا بالحراثة وأما وقف العبيد تبعا للمدرسة والرباط فسيأتي أن بعض المشايخ جوزه وفي الولوالجية رباط كثرت دوابه وعظمت مؤناتها هل للقيم أن يبيع شيئا منها وينفق ثمنها في علفها أو مرمة الرباط فهذا على وجهين إن صارت البعض منها إلى حد لا يصلح لما ربط له كذلك لأنه لا يمكنه إمساكها وحفظها وإن لم تصر بهذه الحالة ليس له ذلك إلا أنه يمسك في هذا الرباط مقدار ما يحتاج إليها ويربط ما زاد على ذلك في أدنى الرباط. ا هـ. قوله (ومشاع قضى بجوازه) أي وصح وقف المشاع إذا قضى بصحته لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه ولا خلاف فيه وإنما الخلاف فيما يحتمل القسمة قبل القضاء أطلق القاضي فشمل الحنفي وغيره فإن للحنفي المقلد أن يحكم بصحة وقف المشاع وببطلانه لاختلاف الترجيح وإذا كان في المسألة قولان مصححان فإنه يجوز القضاء والإفتاء بأحدهما كما صرحوا به. قوله (ومنقول فيه تعامل) أي وصح وقف المنقول مقصودا إذا تعامل الناس وقفه وأما الكراع والسلاح فلا خلاف فيه بين الشيخين وهو استحسان والقياس أن لا يجوز لما بينا من قبل من أن التأبيد شرط وهو لا يتحقق فيه وجه الاستحسان الآثار المشهورة فيه منها قوله عليه السلام: «فأما خالد فقد حبس أدرعا له في سبيل الله تعالى وطلحة حبس أدرعا له في سبيل الله تعالى» ويروى كراعه وفي المجتبى والمراد من الكراع الخيل والحمير والبغال والإبل والثيران التي يحمل عليها والمراد من السلاح ما يستعمل في الحرب ويكون معدا للقتال. ا هـ. وفي المصباح درع الحديد مؤنثة في الأكثر ويصغر على دريع بغير هاء على قياس ويجوز أن يكون التصغير على لغة من ذكر وربما قيل دريعة بالهاء وجمعها أدرع ودروع وأدراع قال ابن الأثير هي الزردية ذكره في الدال المهملة وأما ما سوى الكراع والسلاح فعند أبي يوسف لا يجوز وقفه لأن القياس إنما يترك بالنص والنص ورد فيهما فيقتصر عليه وقال محمد يجوز وقف ما فيه تعامل من المنقولات واختاره أكثر فقهاء الأمصار وهو الصحيح كما في الإسعاف وهو قول عامة المشايخ كما في الظهيرية لأن القياس قد يترك بالتعامل كما في الاستصناع وقد حكى في المجتبى هذا الخلاف في المنقول على خلاف هذا وعزاه إلى السير فنقل قول محمد بجوازه مطلقا جرى التعارف به أو لا وقول أبي يوسف بجوازه إن جرى فيه تعامل ا هـ. ومثل في الهداية ما فيه تعامل بالفأس والمر والمنشار والجنازة وثيابها والقدور والمراجل والمصاحف قال وعن نصير بن يحيى أنه وقف كتبه إلحاقا لها بالمصاحف وهذا صحيح لأن كل واحد يمسك للدين تعليما وتعلما وقراءة. ا هـ. وجوز الفقيه أبو الليث وقف الكتب وعليه الفتوى كذا في النهاية ولم يجوزه محمد بن سلمة وهو ضعيف وفي الخلاصة إذا وقف مصحفا على أهل مسجد لقراءة القرآن إن كانوا يحصون جاز وإن وقف على المسجد جاز ويقرأ في ذلك المسجد وفي موضع آخر ولا يكون مقصورا على هذا المسجد. ا هـ. وذكر في التحرير في بحث الحقيقة التعامل هو الأكثر استعمالا فلذا اقتصر الإمام محمد على هذه الأشياء فخرج ما لا تعامل فيه كالثياب والحيوان والذهب والفضة ولو حليا لأن الوقف فيه لا يتأبد ولا بد منه بخلاف الكراع والسلاح لورود النص بهما وما ذكرناه للتعامل فبقي ما عدا ذلك على أصل القياس. وقد زاد بعض المشايخ أشياء من المنقول على ما قاله محمد لما رأوا من جريان التعامل بها ففي الخلاصة وقف بقرة على أن ما يخرج من لبنها وسمنها يعطى لأبناء السبيل قال إن كان ذلك في موضع غلب ذلك في أوقافهم رجوت أن يكون ذلك جائزا وعن الأنصاري وكان من أصحاب زفر في من وقف الدراهم أو الدنانير أو الطعام أو ما يكال أو يوزن أيجوز قال نعم قيل وكيف قال تدفع الدراهم مضاربة ثم يتصدق بها في الوجه الذي وقف عليه وما يكال وما يوزن يباع ويدفع ثمنه مضاربة أو بضاعة قال فعلى هذا القياس إذا وقف هذا الكر من الحنطة على شرط أن يقرض للفقراء الذين لا بذر لهم ليزرعوه لأنفسهم ثم يؤخذ منهم بعد الإدراك قدر القرض ثم يقرض لغيرهم من الفقراء أبدا على هذا السبيل يجب أن يكون جائزا قال ومثل هذا كثير في الري وناحية دوبناوند والأكسية أسترة الموتى إذا وقفت صدقة أبدا جاز وتدفع الأكسية للفقراء فينتفعون بها في أوقات لبسها ولو وقف ثورا لإنزاء بقرهم لا يصح ثم إذا عرف جواز وقف الفرس والجمل في سبيل الله تعالى. فلو وقفه على أن يمسكه ما دام حيا إن أمسكه للجهاد له ذلك لأنه لو لم يشترط كان له ذلك لأن لجاعل فرس السبيل أن يجاهد عليه وإذا أراد أن ينتفع به في غير ذلك ليس له ذلك وصح جعله للسبيل يعني يبطل الشرط ويصح وقفه ولا يؤاجر فرس السبيل إلا إذا احتيج إلى نفقته فيؤاجر بقدر ما ينفق عليه قال في الخلاصة وهذا دليل على أن المسجد إذا احتاج إلى نفقته تؤاجر قطعة منه بقدر ما ينفق عليه ا هـ. وهذا عندي غير صحيح لأنه يعود إلى القبح الذي لأجله استثنى أبو يوسف المسجد من وقف المشاع وهو أن يتخذ مسجدا يصلى فيه عاما وإصطبلا تربط فيه الدواب عاما ولو قال إنما يؤجر لغير ذلك فنقول غاية ما يكون للسكنى ويستلزم جواز المجامعة فيه وإقامة الحائض والجنب فيه ولو قال لا يؤاجر لذلك فكل عمل يؤاجر له تغيير أحكامه الشرعية ولا شك أن باحتياجه إلى النفقة لا تتغير أحكامه الشرعية ولا يخرج به عن أن يكون مسجدا نعم إن خرب ما حوله واستغنى عنه فحينئذ لا يصير مسجدا عند محمد خلافا لأبي يوسف وأما إذا لم يكن كذلك فتجب عمارته في بيت المال لأنه من حاجة المسلمين وفي الخلاصة أيضا يجوز وقف الغلمان والجواري على مصالح الرباط كذا في فتح القدير ولم يذكر وقف السفينة ولم أر من صرح بها ولا شك في دخولها تحت المنقول الذي لا تعامل فيه فلا يجوز وقفها وقد وقف بعضهم سفينة على مقام الشافعي فسألني عنه فأجبت بعدم الصحة بناء على هذا وفي الظهيرية وقف بستانا بما فيه من البقر والغنم والرقيق يجوز ولو وقف دابة على رباط فخرب الرباط واستغنى الناس عنه فإنها تربط في أقرب الرباطات إليه. وفي القنية وقف الأدوية بالتيمارخانة لا يجوز إذ لم يذكر الفقراء بقي مسألتان الأولى وقف البناء بدون الأرض فجزم هلال بعدم الجواز ونقله في الخانية عن الأصل ثم قال ولا يجوز وقف البناء في أرض هي عارية أو إجارة وإن كانت ملكا لواقف البناء جاز عند البعض وعن محمد إذا كان البناء في أرض وقف جاز على الجهة التي تكون الأرض وقفا عليها. ا هـ. ويستثنى من الإجارة ما ذكر الخصاف من أن الأرض إذا كانت متقررة للاحتكار فإنه يجوز والحاصل أن في وقف البناء وحده اختلافا إذا لم يكن موقوفا على الجهة التي وقفت الأرض عليها لما في الظهيرية إذا كان أصل البقعة وقفا على جهة قربة فبنى عليها بناء ووقفه على جهة أخرى اختلفوا فيه وأما إذا وقفه على الجهة التي كانت البقعة وقفا عليها جاز اتفاقا تبعا للبقعة. ا هـ. وفي الذخيرة وقف البناء من غير وقف الأصل لم يجز وهو الصحيح لأنه منقول وقفه غير متعارف وإذا كان أصل البقعة موقوفا على جهة قربة فبنى عليها بناء ووقف بناءها على جهة قربة أخرى اختلفوا فيه ا هـ. وظاهره أن الصحيح عدم الجواز مطلقا وقد نقلنا الاتفاق فيما إذا كانت الأرض وقفا ووقف البناء على تلك الجهة فبقي ما عدا هذه الصورة داخلا تحت الصحيح وهو شامل لما إذا كانت الأرض وقفا على جهة أخرى وقصره الطرسوسي في أنفع الوسائل على ما إذا كانت الأرض ملكا وليس بظاهر واستخرج الطرسوسي جواز وقف بناء وضعه صاحبه على أرض وقف استأجرها ولو كان على جهة أخرى وكذا لو بنى في الأرض الموقوفة المستأجرة مسجدا ووقفه لله تعالى أنه يجوز قال وإذا جاز فعلى من يكون حكره الظاهر أنه يكون على المستأجر ما دامت المدة باقية فإذا انقضت ينبغي أن يكون في بيت المال. ا هـ. وفي البزازية وقف البناء بدون الأرض لم يجوزه هلال وهو الصحيح وعمل أئمة خوارزم على خلافه. ا هـ. وفي المجتبى لا يجوز وقف البناء بدون الأصل وهو المختار. ا هـ. وفي الفتاوى السراجية سئل هل يجوز وقف البناء والغرس دون الأرض أجاب الفتوى على صحة ذلك. ا هـ. وظاهره أنه لا فرق بين أن تكون الأرض ملكا أو وقفا وفي القنية من كتاب الإجارات يفتى برواية جواز استئجار البناء إذا كان منتفعا به كالجدران مع السقف وفي ظاهر الرواية لا يجوز لأنه لا ينتفع بالبناء وحده ا هـ. وأما الحكر فقال المقريزي في الخطط أن أصله المنع فقول أهل مصر حكر فلان يعنون به منع غيره من البناء ا هـ. الثانية: وقف الشجر قال في الظهيرية وإذا غرس شجرة ووقفها إن غرسها في أرض غير موقوفة لا يخلو إما أن يقفها بموضعها من الأرض أو لا فإن وقفها بموضعها من الأرض صح تبعا للأرض بحكم الاتصال وإن وقفها دون أصلها لا يصح وإن كانت في أرض موقوفة فوقفها على تلك الجهة جاز كما في البناء وإن وقفها على جهة أخرى فعلى الاختلاف الذي ذكرناه آنفا. ا هـ. وفي المحيط رجل غرس في المسجد يكون للمسجد لأنه بمنزلة البناء بالمسجد وكذا لو بنى في أرض الوقف أو نصب فيها بابا فإن نوى عند البناء أنه بنى للوقف يصير وقفا لأنه جعله وقفا ووقف البناء تبعا لغيره يجوز وإن لم ينو ذلك لا يصير وقفا لأنه لم يجعله وقفا ولو غرس في أرض موقوفة على الرباط ينظر إن تولى الغارس تعاهد الأرض الموقوفة فالأشجار للوقف لأن هذا من جملة التعاهد وإن لم يتول فهي للغارس وعليه قلعها لأنه ليس له هذه الولاية ولو غرس على طريق العامة أو على شط نهر العامة أو على شط حوض القرية فالشجرة للغارس وله قلعها لأنه ليس له ولاية على العامة. ا هـ. وفي الخانية لو غرس الواقف للأرض شجرا فيها قالوا إن غرس من غلة الوقف أو من مال نفسه لكن ذكر أنه غرس للوقف يكون للوقف وإن لم يذكر شيئا وقد غرس من مال نفسه يكون له ولورثته من بعده ولا يكون وقفا وإذا صح وقف الشجرة تبعا لأصلها فإن كان ينتفع بأوراقها وأثمارها فإنه لا يقطع أصلها إلا أن تفسد أغصانها ولو كان لا ينتفع بأوراقها ولا بأثمارها فإنه يقطع ويتصدق بها مسجد فيه شجرة التفاح قال بعضهم يباح للقوم أن يفطروا بهذا التفاح والصحيح أنه لا يباح لأن ذلك صار وقفا للمسجد يصرف إلى عمارته شجرة على طريق المارة جعلت وقفا على المارة يباح تناول ثمرها للمارة ويستوي فيه الفقير والغني ولو كانت الثمار على أشجار رباط المارة قال أبو القاسم أرجو أن يكون النزال في سعة من تناولها إلا أن يعلم أن غارسها جعلها للفقراء قال الفقيه أبو الليث إذا لم يكن الرجل من ساكني الرباط فالأحوط له أن يحترز من تناولها إلا أن تكون ثمارا لا قيمة لها كالتوت. ا هـ. وقد وقعت حادثة هي أن المستأجر للدار الموقوفة المشتملة على الأشجار هل له أن يأكل من ثمارها إذا لم يعلم شرط الواقف فيها وفي الحاوي وما غرس في المساجد من الأشجار المثمرة إن غرس للسبيل وهو الوقف على العامة كان لكل من دخل المسجد من المسلمين أن يأكل منها وإن غرس للمسجد لا يجوز صرفها إلا إلى مصالح المسجد الأهم فالأهم كسائر الوقف وكذا إن لم يعلم غرض الغارس. ا هـ. ومقتضاه في البيت الموقوف إذا لم يعرف الشرط أن يأخذها المتولي ليبيعها ويصرفها في مصالح الوقف ولا يجوز للمستأجر الأكل منها وفي القنية يجوز للمستأجرين غرس الأشجار والكروم في الأراضي الموقوفة إذا لم يضر بالأرض بدون صريح الإذن من المتولي دون حفر الحياض وإنما يحل للمتولي الإذن فيما يزيد الوقف به خيرا قال مصنفها قلت: وهذا إذا لم يكن لهم حق قرار العمارة فيها أما إذا كان لا يحرم الحفر والغرس لوجود الإذن في مثلها. ا هـ. وفي فتح القدير وسئل أبو القاسم الصفار عن شجرة وقف يبس بعضها وبقي بعضها فقال ما يبس منها فسبيله سبيل غلتها وما بقي متروك على حالها. ا هـ. وفي البزازية وقال الفضلي وبيع الأشجار الموقوفة مع الأرض لا يجوز قبل القلع كبيع الأرض وقال أيضا إن لم تكن مثمرة يجوز بيعها قبل القلع أيضا لأنه غلتها والمثمرة لا تباع إلا بعد القلع كبناء الوقف ا هـ. قوله (ولا يملك الوقف) بإجماع الفقهاء كما نقله في فتح القدير ولقوله عليه السلام لعمر رضي الله عنه: «تصدق بأصلها لا تباع ولا تورث» ولأنه باللزوم خرج عن ملك الواقف وبلا ملك لا يتمكن من البيع أفاد بمنع تمليكه وتملكه منع رهنه فلا يجوز للمتولي رهنه قال في الخانية المتولي إذا رهن أرض الوقف بدين لا يصح وكذلك أهل الجماعة إذا رهنوا فإن سكن المرتهن الدار قال بعضهم عليه أجر المثل سواء كانت الدار معدة للاستغلال أو لم تكن نظرا للوقف وكذلك متولي المسجد إذا باع منزلا موقوفا على المسجد فسكنها المشتري ثم عزل هذا المتولي وولي غيره فادعى الثاني المنزل على المشتري وأبطل القاضي بيع المتولي وسلم الدار إلى المتولي الثاني فعلى المشتري أجر المثل. ا هـ. ولا فرق بين أن يكون البائع المتولي أو غيره بل وجوب أجر المثل فيما إذا باعه غير المتولي بالأولى وذكر في القنية أنه لا يجب وهو ضعيف لأنه وإن سكن بتأويل الملك يجب أجر المثل مراعاة للوقف وفي القنية سكنها ثم بان أنها وقف أو لصغير يجب أجر المثل بخلاف ما مر وفي المحيط فإن هدم المشتري البناء فالقاضي بالخيار إن شاء ضمن البائع قيمة البناء وإن شاء ضمن المشتري فإن ضمن البائع نفذ بيعه لأنه ملكه بالضمان فصار كأنه باع ملك نفسه وإن ضمن المشتري لا ينفذ البيع ويملك المشتري البناء بالضمان ويكون الضمان للوقف لا للموقوف عليهم. ا هـ. فإن قلت: قال في الخلاصة وفي فوائد شمس الإسلام الواقف إذا افتقر واحتاج إلى الوقف يرفع الأمر إلى القاضي حتى يفسخ إن لم يكن مسجلا. ا هـ. وفي البزازية والخلاصة ولو وقف محدودا ثم باعه وكتب القاضي شهادته في صك البيع وكتب في الصك باع فلان منزل كذا أو كان كتب وأقر البائع بالبيع لا يكون حكما بصحة البيع ونقض الوقف ولو كتب باع بيعا جائزا صحيحا كان حكما بصحة البيع وبطلان الوقف وإذا أطلق الحاكم وأجاز بيع وقف غير مسجل إن أطلق ذلك للوارث كان حكما بصحة بيع الوقف وإن أطلقه لغير الوارث لا يكون ذلك نقضا للوقف أما إذا بيع الوقف وحكم بصحته قاض كان حكما ببطلان الوقف. ا هـ. وفي القنية وقف قديم لا يعرف صحته ولا فساده باعه الموقوف عليه لضرورة وقضى القاضي بصحة البيع ينفذ إذا كان وارث الواقف ثم رقم: باعه الوارث لضرورة فالبيع باطل ولو قضى القاضي بصحته ولا يفتح هذا الباب. ا هـ. قلت: إنه في وقف لم يحكم بصحته ولزومه بدليل قوله في الخلاصة إن لم يكن مسجلا أي محكوما به ومع ذلك الحمل أيضا فهو على قول الإمام المرجوح وعلى قولهما الراجح المفتى به لا يجوز بيعه قبل الحكم بلزومه لا للوارث ولا لغيره ولو قضى قاض بصحة بيعه فإن كان حنفيا مقلدا فحكمه باطل لأنه لا يصح إلا بالصحيح المفتى به فهو معزول بالنسبة إلى القول الضعيف ولذا قال في القنية تفريعا على الصحيح فالبيع باطل ولو قضى القاضي بصحته وقد أفتى به العلامة قاسم وأما ما أفتى به العلامة سراج الدين قارئ الهداية من صحة الحكم ببيعه قبل الحكم بوقفه فمحمول على أن القاضي مجتهد أو سهو منه وظاهر قول المصنف وأصحاب المتون والهداية أنه لا يجوز استبداله ولو خرب وأنه لا يعود ملكا للواقف ولا لورثته لعدم استثنائهم شيئا من قولهم لا يملك وظاهر قولهم أن الوقف لا يملك ولا يباع يقتضي أن الوقفية لا تبطل بالخراب ولا تعود إلى ملك الواقف ووارثه وأنه لا يجوز الاستبدال ولذا قال الإمام قاضي خان ولو كان الوقف مرسلا لم يذكر فيه شرط الاستبدال لم يكن له أن يبيعها ويستبدل بها وإن كانت أرض الوقف سبخة لا ينتفع بها لأن سبيل الوقف أن يكون مؤبدا لا يباع وإنما تثبت ولاية الاستبدال بالشرط وبدون الشرط لا تثبت فهو كالبيع المطلق عن شرط الخيار لا يملك المشتري رده وإن لحقه في ذلك غبن ا هـ. وفي الخلاصة وفي فتاوى النسفي بيع عقار المسجد لمصلحة المسجد لا يجوز وإن كان بأمر القاضي وإن كان خرابا فأما بيع النقض فيصح ونقل عن شمس الأئمة الحلواني أنه يجوز للقاضي وللمتولي أن يبيعه ويشتري مكانه آخر وإن لم ينقطع ولكن يؤخذ بثمنه ما هو خير منه للمسجد لا يباع وقد روي عن محمد إذا ضعفت الأرض الموقوفة عن الاستغلال والقيم يجد بثمنها أخرى هي أكثر ريعا كان له أن يبيعها ويشتري بثمنها ما هو أكثر ريعا وفي الفتاوى قيم وقف خاف من السلطان أو من وارث يغلب على أرض وقف يبيعها ويتصدق بثمنها وكذا كل قيم إذا خاف شيئا من ذلك له أن يبيع ويتصدق بثمنها قال الصدر الشهيد والفتوى على أنه لا يبيع وما يوافق هذا ما روى الإمام السرخسي في السير الكبير في بابي الأسير في الدفتر الثاني ذكر مسألة ثم قال وبهذا تبين خطأ من يجوز استبدال الوقف والشيخ الإمام ظهير الدين كان يفتي بجواز الاستبدال ثم رجع ا هـ. ما في الخلاصة وفي شرح الوقاية أن أبا يوسف يجوز الاستبدال في الوقف من غير شرط إذا ضعفت الأرض من الريع ونحن لا نفتي به وقد شاهدنا في الاستبدال من الفساد ما لا يعد ولا يحصى فإن ظلمة القضاة جعلوه حيلة إلى إبطال أكثر أوقاف المسلمين وفعلوا ما فعلوا. ا هـ. وفي الذخيرة سئل شمس الأئمة الحلواني عن أوقاف المسجد إذا تعطلت وتعذر استغلالها هل للمتولي أن يبيعها ويشتري مكانها أخرى قال نعم قيل إن لم تتعطل ولكن يؤخذ بثمنها ما هو خير منها هل له أن يبيعها قال لا ومن المشايخ من لم يجوز بيعه تعطل أو لم يتعطل وكذا لم يجوز الاستبدال بالوقف وهكذا فتوى شمس الأئمة السرخسي وقد روينا عن محمد في فصل العمارة إذا ضعفت الأرض الموقوفة عن الاستغلال والقيم يجد بثمنها أرضا أخرى أكثر ريعا له أن يبيع هذه الأرض ويشتري وفي المنتقى قال هشام سمعت محمدا يقول الوقف إذا صار بحيث لا ينتفع به المساكين فللقاضي أن يبيعه ويشتري بثمنه غيره وليس ذلك إلا للقاضي وذكر محمد في السير الكبير مسألة تدل على عدم جواز الاستبدال بالوقف وصورتها الكفار إذا استولوا على بلدة من بلاد المسلمين ثم ظهر عليها المسلمون وقسموها فيما بينهم فأصاب رجل من الغانمين أرضا فجعلها صدقة موقوفة للمساكين ودفعه ا إلى قيم يقوم عليها ثم حضر المالك القديم فليس له أن يأخذها قالوا وهذا لأنه زال عن ملك الواقف وصار بحال لا يقبل النقل من ملك إلى ملك فلا يكون للمالك القديم حق الملك أما على قول أبي حنيفة الوقف باطل حتى كان للواقف أن يبيع الوقف حال حياته فإذا مات يصير ميراثا عنه فكان للمالك القديم حق الأخذ إلا في المسجد خاصة فإن اتخاذ المسجد عنده صحيح ويزول عن مليكة متخذه فلا يكون للمالك القديم حق الأخذ فيه. ا هـ. وأما ما في الذخيرة وغيرها حانوت احترق في السوق وصار بحيث لا ينتفع به ولا يستأجر ألبتة وحوض محلة خرب وصار بحال لا يمكن عمارته فهو للواقف ولورثته فإن كان واقفه وورثته لا تعرف فهو لقطة زاد في فتاوى الخاصي إذا كان كاللقطة يتصدقون به على فقير ثم يبيعه الفقير فينتفع بثمنه فقال الصدر الشهيد في جنس هذه المسائل نظر يعني لأن الوقف بعدما خرج إلى الله تعالى لا يعود إلى ملك الواقف وسيأتي تمامه في بيان شروط الواقف عند قوله وإن شرط الولاية لنفسه وفي الخانية المتولي إذا اشترى من غلة المسجد حانوتا أو دارا أو مستغلا آخر جاز لأن هذا من مصالح المسجد فإن أراد المتولي أن يبيع ما اشترى أو باع اختلفوا فيه قال بعضهم لا يجوز هذا البيع لأن هذا صار من أوقاف المسجد وقال بعضهم يجوز هذا البيع وهو الصحيح لأن المشتري لم يذكر شيئا من شرائط الوقف فلا يكون ما اشترى من جملة أوقاف المسجد. ا هـ. وفي القنية إنما يجوز الشراء بإذن القاضي لأنه لا يستفاد الشراء من مجرد تفويض القوامة إليه فلو استدان في ثمنه وقع الشراء له ا هـ.
|